من عمق هذه الأعماق نناديك ، أيتها الحرية ، فاسمعينا ! من جوانب هذه الظلمة نرفع أكفنا نحوك ، فانظرينا ! وعلى هذه الثلوج نسجد أمامك ، فارحمينا !
من منبع النيل إلى مصب الفرات يتصاعد نحوك عويل النفوس متموجا مع صراخ الهاوية ومن أطراف الجزيرة إلى جبهة لبنان تمتد إليك الأيدي مرتعشة بنزع الموت ! ومن شاطئ الخليج إلى أذيال الصحراء ترتفع نحوك الأعين مغمورة بذوبان الأفئدة فالتفتي ، أيتها الحرية ، وانظرينا ! في المدارس والمكاتب تناجيك الشبيبة اليائسة في الكنائس والجوامع يستميلك الكتاب المتروك وفي المجالس والمحاكم تستغيث بك الشريعة المهملة فأشفقي ، أيتها الحرية ، وخلصينا !
في شوارعنا الضيقة يبيع التاجر أيامه ليعطي أثمانها للصوص المغرب ولا من ينصحه ! وفي حقولنا المجدبة يحفر الفلاح الأرض بأظافره ويزرعها حبات قلبه ويسقيها دموعه ولا يستغل غير الأشواك ولا من يعلمه ! فتكلمي ، أيتها الحرية ، وعلمينا !
لحفظ عروشهم وطمأنينة قلوبهم قد سلحوا الدرزي لمقاتلة العربي وحمسوا الشيعي لمصارعة السني ونشطوا الكردي لذبح البدوي وشجعوا الأحمدي لمنازعة المسيحي فحتى متى يصرع الأخ أخاه على صدر الأم ؟ وإلى متى يتوعد الجار جاره بجانب قبر الحبيبة ؟ وإلام يتباعد الصليب عن الهلال أمام عين الله ؟ إصغي أيتها الحرية ، واسمعينا تكلمي بلسان فرد واحد منا فمن شرارة واحدة يشتعل القش اليابس أيقظي بحفيف أجنحتك روح رجل من رجالنا فمن سحابة واحدة ينبثق البرق ينير بلحظة خلايا الأودية وقمم الجبال إسمعينا ، أيتها الحرية إرحمينا يا ابنة أثينا خلصينا يا رفيقة موسى أسعفينا يا حبيبة محمد علمينا يا عروسة يسوع قوي قلوبنا لنحيا أو شددي سواعد أعدائنا علينا فنفنى وننقرض ونرتاح كلآم راقي لي كثيرآ ..’ لجبران خليل جبرآن من كتاب اروآح متمردة