الجراح العبقرى و العالم الفذ :أبو القاسم الزهراوى


 

أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي (936 - 1013م)، عالِم وطبيب أندلسي مسلم، ولد في الزهراء ب الأندلس عام 936م. حرِّف لقبه الزهراوى في اللغات اللاتينية واللغات الأوروبية عموما إلى "Alzahravius" وحرفت كنيته إلى Abulcasis. ويعتبر أشهر جراح مسلم في العصور الوسطى، والذي ضمت كتبه خبرات الحضارة الإسلامية وكذلك الحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية من قبله. صفاته عن الزهراوى يقول "الحميدى" الأديب والمؤرخ في كتابه "جذوة المقتبس فى أخبار علماء الأندلس " أن الزهراوى كان من أهل الفضل والدين والعلم كما ذكر آخرون أنه كان يخصص نصف نهاره لمعالجة المرضى مجانا قربة لله عز وجل

 

ما كتبه الزهراوي في التوليد والجراحة النسائية يعتبر كنزاً ثميناً في علم الطب، حيث يصف وضعيتي(TRENDELEMBURE – WALCHER)الهامتين من الناحية الطبية، إضافة إلى وصف طرق التوليد، وطرق تدبير الولادات العسيرة، وكيفية إخراج المشيمة الملتصقة والحمل خارج الرحم وطرق علاج الإجهاض وابتكر آلة خاصة لاستخراج الجنين الميت، وسبق د. فالشر بنحو 900 سنة في وصف ومعالجة الولادة الحوضية، وهو أول من استعمل آلات خاصة لتوسيع عنق الرحم، وأول من ابتكر آلة خاصة للفحص النسائي لا تزال إلى يومنا هذا
وقبل أن يطوِّر العالم الحديث الحقل الطبي كان كتاب الزهراوي الطبي إلى جانب كتاب ابن سينا، يُعتبر مرجعاً في أوروبا على مدى خمسة قرون، وهي فترة طويلة في تاريخ الطب.
كتب الزهراوي كانت أساس الجراحة في أوروبا حتى عصر النهضة. ويعتبر الزهراوي أبو الجراحة. أعظم إسهام له في الحضارة الإنسانية كان كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، والذي تألف من 30 مقالة (كل مقالة تبحث في فرع من فروع الطب) وخصص المقالة الثلاثين لفن الجراحة (أو صناعة اليد كما كان يطلق عليها في ذلك العصر)، يحتوي الكتاب على صور للمئات من الآلات الجراحية أغلبها من ابتكار الزهراوي نفسه. وكانت كل أداة جراحية اخترعها مرفقة بإيضاحات مكتوبة عن طريقة استعمالها. كان يملك حوالي مائتي أداة: منها الدقيق ومنها الكبير كالمنشار وغيره، ما مكنه من إجراء عمليات جراحية في العين وغيرها من أعضاء الجسم، كان يُخرج الأجنَّة الميتة من الأرحام بواسطة المنشار. وكان هناك أداة تدعى "أداة الكي" للقضاء على الأنسجة التالفة بواسطة الكي، ونظراً لعدم وجود كهرباء في ذلك الوقت كان يستخدم السخَّان، فيعمد إلى تحمية قطعة معدنية ويضعها على المنطقة المصابة فتؤدي إلى تجمُّد الأنسجة وتوقف النزف، كما كان بالإمكان أيضًا إيقاف نزف الشعيرات الدموية الصغيرة.

مؤلفاته:

أكبر تصانيف الزهراوي وأشهرها هو كتابه المسمى "التصريف لمن عجز عن  التأليف"، وهو عبارة عن دائرة معارف طبية تقع في ثلاثين جزءاً، ويمتاز  بكثرة رسومه ووفرة أشكال الآلات التي كان الزهراوي يستعملها في الجراحة.

وقد قسّم الزهراوي موسوعته إلى ثلاثة أقسام تتضمَّن ثلاثين باباً: القسم الأول: للأمراض والتشريح. القسم الثاني: للأدوية والعقاقير وأفرد منه مقالة للمقاييس والمكاييل ومقالة للتغذية وأخرى للزينة. القسم الثالث: خصّه للجراحة وفنونها. برع الزهراوي بفن الجراحة حتى أصبحت مؤلفاته الجراحية هي المرجع الأول  للأطباء العرب والأوروبيين ولعدة مئات من السنين، وابتكاراته الجراحية رفعت  من شأن هذا الاختصاص، في وقت كانت فيه أوروبا تخضع لقرارات الكنيسة التي  تُحرِّم تدريس الجراحة في مدارس الطب، وتصف الأطباء الذين يمارسونها بأنهم  حقيرون وغير شرفاء، ولهذا أجمع مؤرخو الطب العربي من الأوروبيين بأن للعرب  وحدهم وعلى رأسهم الزهراوي الفضل الأول في تطور الجراحة بمفهومها الجديد،  فالمستشرقة الألمانية "زيغريد هونكه" بكتابها "شمس العرب تسطع على الغرب"  تقول بهذا الخصوص: "إن هذا الفرع بالذات يدين للعرب بتقدمه وصعوده من مرتبة  مهنة الجزارين إلى القمة، وإليهم وحدهم يعود الفضل برفع هذا الفن العظيم  للمستوى الذي يستحق، وفضل بقائه". وقد ترجم جيرار الكريموني الجزء الخاص بالجراحة من هذا الكتاب إلى  اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي، وصدرت منه طبعات مختلفة، واحدة في  البندقية 1497م، وثانية في بازل سنة 1541م، وثالثة في أكسفورد سنة 1778م.  كما أن الدكتور لوكليرك ترجمه إلى الفرنسية في القرن التاسع عشر.

وتقول زغريد هونكه عن هذا الجزء من الكتاب: وقد لعب القسم الثالث من هذا  الكتاب دوراً هاماً في أوربا إذ وضع أسس الجراحة الأوربية، وسما بهذا الفرع  من الطب إلى مقام رفيع، فأصبحت الجراحة مستقلة بذاتها ومعتمدة في أصولها  على علم التشريح. 
وقد كان لكتاب الزهراوي أثر كبير في النهضة الأوربية على مدى خمسة قرون،  حيث كان يدرس في جامعات أوروبا، كما كان الجراحون الأوربيون يرجعون إليه  ويقتبسون منه.

إنجازات لم يسبقه اليها أحد: