المُنعَطف


المُنعَطف
*******

أصبح مقتنعا بصواب القرار الذي إتخذه، و هيّأ نفسه للعيش مدى الحياة  في قريتهم الجبلية الجميلة، قرب جبل تُبقال بالأطلس الكبير. بعد الحصول على شهادته التعليمية، سوف يتفرَّغ ياسين للعمل في مزرعة والديه، حيث يزرع اللوز و الرمان و يعتني بالخيول .
كانت سعادته في البلدة تتمحور حول حُبِّه للرّسم و  ركوب الخيل، و حُبِّه الأكبر " مريم " أو زوجة المستقبل، كما كان يُحدِّثو يُمنِّي نفسه .
في صباحات أيام العطلة، عندما يأتي لزيارة أهله في القرية، كان يركب فرسه المحجَّل، و يطوف بين الحقول، حتى إذا صار بجانب بستانها وقف خلف سوره القصير، و نظر قليلا إلى مريم، يتأمَّلها و هي تعتني بالغرس و بالأرض، بلباسها القروي الغير المتجانس الألوان؛ كانت تبدو له كلوحة رسّام، إنها ملهمته الأولى في أعماله الفنيَّة، و ما إن تنتبه لوجوده حتى يجذب زمام فرسه، و يُعرِّج عائدا إلى بيت أهله
في المساء، وقت الغروب، ينصب عدَّة الرسم فوق سطح البيت، و ينظر إلى القرية و البراري في الأسفل، ثم يرسم مريم و عالمها الساحر. كان دائماً يرسم ما يراه من زاويته التي يتطلع منها في اتجاه مريم، زاوية مختلس، إذ يظهر ركن السور و أغصان الشجر في الزاوية الأقرب، مما يعطي الإنطباع للناظر و كأنه يقف مكان الرسام. كانت مريم تأتي في لوحاته على شكل رموز، كشجرة برتقال أو فراشة أو نحلة، فكما كان يخفي عنها حبه لها، كان يحرس على ألاَّ يظهر ذلك جليا في رسوماته.
في ذلك الصباح، لم ينتبه لإخوتها الثلاثة، و هم يتآمرون به،  و قد كمنوا له خلف الضَّرَاء، حرن به فرسه، ثم شبَّ، لمَّا برزوا لهما بهراواتهم؛ أمسك أحدهم بلجام الجواد ثم طرحوه أرضا و ضربوه ضربا مبرحاً كاد يودي بحياته .
لم يرى مريم، ولا رجع إلى القرية الجميلة، بعدها، بعد ما قضى شهورا طويلة في المستشفى.
بعد إجتيازه لإمتحانات الباكالوريا بنجاح، هاجر إلى فرنسا،  لإتمام دراسته الفنية. هو اليوم، عشرون سنة بعد الحادث، يعمل كأستاذ في مدرسة الفنون الجميلة بمدينة نيس.
و مريم ؟ لازالت تظهر في لوحاته و رسومه، تارة كطائر حسُّون، أو كسُنبلة أو زهرةِ رمَّان، و تارة كقرصِ شمسٍ عند المغيب، أو كعارضٍ في السماء، مرعد و مُبرق ...

 بوالصبع إزروالن

شاعر وكاتب مغربي-نيويورك