هل تسامحونني


هل تسامحونني اذا تكلمت أمامكم وللمرة الألف عن احزان بلدي؟ كان بإمكاني ان أغير الموضوع وأتكلم عن الحب في بلاد الأندلس او انواع السجائر المستوردة من كوبا او عن موسيقى باخ وموزار ... اَي ان اقنع نفسي بتغيير ذلك الجو العبثي المدلهم الذي يلف بلدي... لم اجد هناك دكانا او حانوتا يبيع الفرح لكنها جميعا لا تبيع الا خبز الاحزان ومرارة اللوعة... مع الأسف احاول ان اخلد الى النوم في بلدي ولكن عبثا... ألجأ الى حبة مهدئ ... دون جدوى والحواس الخمس في حالة استنفار دائم وصراع مع ثعالب و غربان الماضي والحاضر التي تهاجمها بطريقة مستميتة.. احاول ان أفض النزاع بالطرق الكيميائية .. لكن شجرة العمر قد ذبلت اوراقها وشارفت على السقوط.. وتلك الحبة الملعونة التي قدمتها كرشوة لذاكرة توقفت امام شجرة سنديان .. مازالت تندب وتتوجع لفراق عصافيرها المهاجرة في اول الربيع.. فهل تظنون ان الأشجار لا تتذكر اولادها.. انظروا الى الدمع المخبؤ في عيون الشجر.. هل يمكنكم ان تشرحوا لي كيف سينزل المطر وينبت العشب وتسيل الأنهار وتمتليء البحار اذا صادرتم الدمعة في بلدي؟ اكتشفت الان ان الكتابة عنه هي أفضل طريقة لاستحضاره الى العقل والوجدان وحفزه في ثنايا القلب رغم الحزن والغم.. أني اشم رائحة ترابه واشعر  بهوائه العليل يتغلغل بين الكلمات والسطور  ... فتنبت سنبلة واقحوانة هناك.. حيث انت يا بلدي وجدت الأحرف الأبجدية على الرغم من الحزن الذي  يلفنا وإياك  ... والزلازل والبراكين المفتوحة الأفواه التي تلفظ حممها عليك .. بما ان دماءنا النازفة دوما.. على صدرك يا بلدي.. ستبقى انت الأوفى والاجمل.. ستبقى في نظري شامخا معطاء.. وستبقى انت الأمل والرجاء .. فما دمنا نشعر ونحس... ستبقى في الافئدة .. وكلما حملت اليراع .. سوف أواصل الكتابة عنك يا بلدي.

د. كمال توبة- مجلة مرآة الغرب -ت2!