الأدب


الأدب النسائي

هناك مفاهيم مغلوطة تسيطر على العقل العربي ، ومنها أن الأدب النسائي هو أدب يقتصر على قضايا المرأة ومشاكلها، وتصوير كتابتاها على أنها ليس أكثر من محاولة للحصول على حقوقها، وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل في مجالات عديدة، ورفع الظلم الذي أوقعه عليها قائمة طويلة من العادات والتقاليد، نعم قد اهتممن الكاتبات العربيات في هذا الجانب، ولكن هذا لا يعني أنهن حصرن انفسهن في هذه الزاوية، بل تلمست كاتباتنا قضايا وطننا العربي وكتبن عنها بحرية، ففي القرن العشرين برزت كاتبات عربيات لهن أسهمات قيمة في الأدب العربي، بل كان منهن من أضاءت العالم بصالوناتها الأدبية التي تجمع فيه أقطاب الثقافة العربية، وخير مثال على ذلك، الصالون الأدبي الذي كانت تقيمه في القاهرة الكاتبة والشاعرة الفلسطنية اللبنانية مي زيادة، فلقد كان يرتاد صالونها الأدبي نخبة الإبداع والثقافة في مصر والعالم العربي، فاستطاعت مي زيادة أن تجمع في صالونها هذا رواد الأدب، كأمير الشعراء أحمد شوقي، عباس العقاد، طه حسين، ومصطفى الرفاعي وغيرهم.

وأن انتقلنا للحديث عن القضايا السياسية الشائكة في أوطننا، نجد أن الشاعرة الفلسطنية فدوى طوقان كانت حاضرة بقوة، حيث تعتبر من أهم شعراء فلسطين، فلقد قاومت شاعرتنا الأحتلال بقلمها، الذي لم يكن أقل حدة من السيف، وكانت كلماتها كالبارود، الذي سكن في جسد المحتل، ليشوه وجوده واغتصابه لأرض من اهلها، فلقد حملت شاعرتنا على كتفيها أعباء وطنها، ومثلت كلماتها رسائل للعالم مضونها، أن هذا الشعب لن يقبل إلا أن تتحرر ارضه، ويستعيد

حريته، فلفلسطيني لا يحارب من أجل تحرير أرضه فقط، بل هو ينضال من أجل القيم الإنسانية. ولو تجولنا في الأقطار العربية قاطبة، لوجدنا في كل قطر منهم، هناك روائيات أنغمسن بعمق في المصير الوطني والقومي وساهمن في كشف عيوب المجتمع، فلقد ساهمن في نسج صور إبداعية عن حال أوطنهن في الحروب، الخوض في العلاقات الاجتماعية في تلك المرحلة، وقد تجلت في هذا المضمار كاتبات عربيات مبدعات، أمثال ألفت الأدلبي، قمر كيلاني، ليلى الأطرش، وغادة السمان، وغيرهن. ولم يقتصر دور الأديبات على تلك المرحلة، بل حققت الروائيات العربيات قفزة هامة في عمق الفهم للأوضاع السياسية، وفي تأثيرها على كل ما هو شخصي، أي أن الأوضاع السياسية تمثل حجر الأساس في حياة الفرد العربي، فلم تقبل كاتباتنا أن يعشن على هامش الأحداث، بل دخلن بقوة الى التفاصيل الدقيقة، وتحدثن بجرأة عن مظاهر التمييز، والقمع في وطننا العربي، فطرحن أرائهن من خلال روايات لاقت رواج كبير، ومن أبرز هؤلاء الكاتبات، أحلام مستغانمي، وهادية سعيد ورضوى عاشور، ونوال السعدواي، فهولاء وغيرهن من الأديبات قمن بكشف الخوف الذي يسيطر على المواطن العربي، كالخوف من الحاكم، ومن المخبر، ومن السجون. ولم يكن لطموح كاتباتنا حدود، بل أصبحت رواياتهن موضع أهتمام النقاد، وموضع النقاش في ساحات الأدب العربي، وقمن بحصد جوائز أدبية هامة.

ولا يخفى علينا أن مسيرة حياة أديباتنا العربيات لم تكن سهلة، بل هن جزء من هذا المجتمع المحكوم بعادات وتقاليد، يدفع فيه صاحب الفكر المستنير أثماناً باهضة، مجتمع يحارب فيه بشراسة كل من

اقترب الى تابوهاته وحاول أختراقها والكشف عن مستورها، فالرجل في حقل الكتابة الجادة يحارب، فكيف يكون حال المرأة، أن كتبت،فالنسوة في مجتمعاتنا يخضعن لمنظومة اجتماعية، فيها الرقيب شديد، هذا الرقيب المحتمي بقوة العادات والأعراف، فكم من الكاتبات هوجمت، وأسيء اليها بالالفاظ والسخرية، غير القرأة الخاطئة لما تكتبه الكاتبة، ففي أي نص روائي تبدع فيه المرأة، تخرج أقلام تشير اليها، بأن كل ما تفعله البطلة في الرواية هو ليس إلا انعكاس لشخصية وتجارب الروائية، وكأن المرأة خلقت بلا خيال، تستطيع من خلاله أن تتجلى وتكتب نص روائي، دون أن تكون لتجربتها الشخصية ضلع فيها. ولكن كاتباتنا المبدعات سرن في طريقهن، وحققن النجاحات، دون الالتفاف الى تلك المعوقات، والوقف عندها، لأنهن لو توقفن عند تلك العقبات لما استطعن المضي في مشوارهن، ولما تخلدت أسماءهن، واصبحت كتب الكثير منهن لألئ مضيئة في سماء الأدب.

بقلم: رولا صبيح