بدأ المطر بالهطول


بدأ المطر بالهطول منذ فترة لا بأس بها.. وفِي احدى زوايا البيوت العتيقة حيث اختبأت من العاصفة ... كانت السماء تزمجر برقا ورعدا.. وهواء يصفر كأنه ينسق طريقة العزف.. اوركسترا طالما استمعت واستمتعت بها وانا داخل البيت.. بجانب الموقد ورائحة الكستنا المشوية تعبق بالمكان.. وبينما أنا غارق في مد وجزر الأفكار لمحت طفلا صغيرا .. ينتحب في الزاوية المقابلة من الزقاق.. وقد تبلل حتى جفنيه .. عندما شعر بوجودي سكت لبرهة.. وغادر المكان راكضا غير آبه بشدة العاصفة.. حاولت ان أكلمه .. لكن دون جدوى .. أسرع الخطى بتناغم عجيب مع تلك الرياح العاتية ثم اختفى.. هدأت حدة المطر قليلا فتسللت مسرعا الى بيتي.. لكن منظر ذلك الطفل ما زال ماثلا امامي .. لانه أعاد الي ذكريات طفولة منسية محفورة في الوجدان .. ذكريات... أهل واصدقاء.. ابحث عنهم ..في احدى القرى الوادعة ،، هناك على كتف الوادي..  ابحث عن ذاتي لكن عبثا.. عند حلول المساء  وبعد هدوء العاصفة وقفت على نافذة غرفتي متأملا السماء.. محاولا ان استمتع باصوات وأنغام تتميز بها تلك القرية لكني احسست ان كل شَيْء قد تغير.. دخلني احباط مفاجيء .. وشعور بالضيق.. وقد عادت الي تلك الكآبة التي ترعرعت وإياها وكانت منذ فترة لسان حالي وكانت لتلك الكآبة فصاحتها المعهودة.. ففرحت بعودتها وخرجت من البيت أحث الخطى باحثا عن نفسي من جديد.. ولم انتبه الا متاخرا ان الزمن قد انتهت صلاحيته.. ارض العنفوان والغضب .. ارض العطاء تحولت الى ارض الجوع والقحط .. ارض تضيع كليلة قمراء فني الزمان في أحشائها .. ارض طال بها الصبر.. فمتى يأتي بطل القصة...الربيع ذبلت أزاهيره.. والدوري غادر تلك الزيتونة في ارض الدار والحقول اشتاقت الى ضربة معول؟ البيادر تحن الى الحصادين.. والنحلة في حالة بحث عن زهرة لوز.. احلام عمر ذبلت كشعاع في موقد زيتونة.. فمتى يطل بطل القصة.. اما أنا مازلت أحث  الخطى بحثا عن نفسي وعن ذاتي.. لكن عبثا لم اجد شيء .. وبطل القصة طال انتظاره ولم يطل بعد.

د. كمال توبة

مجلة مرآة الغرب