أمسية عربية رائعة...د.عياش


جلست والكوفية حجابها، تتدلى على كتفيها والشعر الاسود المتمرّد على جمالها يتسلل خجلاً عند خدّيها، قالت:

-من رفع أذاّن الهزيمة في الناس ؟

من دكّ في عيون الوطن والأمة مسامير الإحباط والفشل ونقد الذات الجارح والنازف حتى الموت؟

صَببت لها الشاي بتروّ، نظرت الى  آمال شبابها بتأملٍ، شعرت بحماسة رجائها بإفتخارٍ، أعجبتني شجاعتها المتألقة، فصَببت لها الشاي و زدته سكّراً وقُبلاً و دمعاً من عين لطالما حَلُمَت و زدته صياحاً من حنجرة لطالما صدحت بنشيد "موطني"وقلت:

--لا أحد، تفضلي الشاي.

نظر اليّ معوق حرب بتعجب ٍ، مقعدٌ، متكرّر الجراح والخيبات، متعدّد الآهات والأوجاع، مختلف مع نفسه أكثر من إختلافه مع أقربائه وتنظيمه وجيشه و زعيمه وحاجته والناس، صاح بي:

---كيف تقول لها لا أحد وانت تتلوا علينا قصيدة "أيها المارّون بين الكلمات العابرة" في كلّ صباح؟

وإن تمتمت فلتتمتم بأغنية "عودوا أنّى كنتم غرباء كما انتم، فقراء كما أنتم، يا احبابي الموتى عودوا حتى لو كنتم قد متم .. " وإن إنفردت بنفسك سمعتك تصلّي وترفع الدعاء  لله أن يكتمل نصاب جيشك، مئة رجل شجاع ملثّم، فكيف تقول لها:

لا أحد، قل لها مَن؟!

--أحسنتَ، نعم ،نشيد الموتى ، لك أيضا أقول :

لا أحد.

وصببت له الشاي وحركت المرارة فيه جيّدا لأن لا فرق بين الحلو والمرّ في البلاد و تلوت على الكوب تعاويذاً دينية واسطورية وخرافيةوعلمية لتصحيه ولتوقظه من نومه، لتعيده للنوم من جديد ، لعلّه يتوقف عن هذيانه الواقعي و واقع هذيانه المجيد.

فجأة،

دخلت علينا حسناء عربيةباسمة ،بعباءتها الفارسية و المطرّزة بأشكال هندسية تركية بخيوط إفرنجية غريبة ،من دون معنى للمعنى كأنها طلاسم لعنة سحرية و من دون استئذان ، جلست  بحضني، غمرتني بذراعيها وقبّلتني وتدلعت وسألت بغنج :

---هل عرفتني، أنا هزيمة العربية، أشتقت لك حبيبي ، هل صحيح أنك تصلّي  وترفع من أجليً الدعاء!؟

أخبرنا من أوصلنا الى هذه الحال، أخبرنا؟

حبيبي ما أروعك،

مبتسماً وصامتاً، صببتُ ّ لها الشاي  وقلت:

--لا أحد.

صببت  الشاي وكانت المرّة المليون التي أسكب فيها الشاي في فصل ربيع عربي لم ينبت فيه الا زهراً  حول القبور وفي المدافن.

وكانت أمسية لسكارى بالشاي، أمسية عربية رائعة حتى طلوع الفجر .

حميدة التغلبية