إقلب الصفحة يا فتى


 

وأتلمّس وجدانكم الشرقي بوجدانكم الشرقي لا  بروحي الغريبة في كل مكان عن أرواحكم الغريبة في كل مكان . وإذاً فاسمعوا بنزاهة وبساطة لأني أتكلم ببساطة ونزاهة.

أنتم  تطلبون الحرية وترغبون في الإستقلال.

وأنتم ترومون حضارة شرقية تضارع الحضارة الغربية.

وأنتم تريدون الإستغناء عن الأجانب، بل وتريدون أن يأتي الأجانب اليكم خاطبين ودّكم بدلاً من أن تذهبوا اليهم لتخطبوا ودّهم.

 

أخاطبكم الآن كرجل لا كشاعر وأتلمس أرواحكم الغريبة في كل مكان.

إذاً فاسمعوا: في شرقنا نساء لم يستيقظن بعد.

وفي بلادنا حقول لم تزرع .

في منازلنا صبايا وصبيان لا ولن يهتم آباؤهم  وأمهاتهم بإرسالهم الى مدرسة.

في لحف جبالنا أنهارٌ لم تسق أرضاً ولا تستنبت بذوراً.

في أوديتنا تربة لم تحرث ولم تزرع.

وفي جبالنا فسحات واسعة عارية جرداء.

وفي سهولنا سكوت لم يخرقه المحراث أو همهمة المنجل. أما البيادر فأمّحت آثارها.

أما الأهراء فقد تهدمت وأما الطواحين فقد وقفت عن حركتها وقوف نبضة القلب في المنازع المحتضر.

أنتم تريدون جميع هذه الأشياء ولكنكم مشغولون عن كيفية الحصول عليها بإعجابكم ببعدها وتفانيكم في سبيل الذين يميتونها.

 

نعم أنتم تريدون هذه الأشياء ولكن بإرادتكم الصامتة وفي الوقت نفسه تتهافتون الى ضدّها بأعمالكم المتكلمة. أعني ان في داخلكم دواليب صغيرة تدور الى اليمين بجانب دواليب كبيرة مكروهة الى اليسار.

أعني أن في كل واحد منكم شخصيتين : شخصية تتحرر سراً وشخصية تمتثل علناً.

 

من كتاب : إقلب الصفحة يا فتى

جبران خليل جبران