حوار بين أبو صابر حكيم الحمير وأبو الفهم حكيم البشر حول الظلم والجور والتجبر


حوار بين أبو صابر حكيم الحمير وأبو الفهم حكيم البشر حول الظلم والجور والتجبر
في أحد الحقول الخضراء الممتدة، تحت ظل شجرة وارفة، اجتمع أبو صابر، حكيم حكماء الحمير، وأبو
الفهم، حكيم حكماء البشر وكان اللقاء بينهما غير مألوف، لكنه كان مثقلاً بالمعاني والعبر، إذ دار الحديث
حول الظلم والجور والتجبر الذي يمارسه البشر، وكيف يمكن أن تكون الموعظة نصيحةً ودرسًا لمن يظلم
أو يتجبر

أبو صابر يبدأ الحديث بابتسامة حكيمة وقال:

يا أبا الفهم، قد جمعتنا هذه اللحظة لنناقش حال أهل البشر وما يأتونه من ظلم وتجبر انني أرى من بني
جلدتك من يظن أن القوة حق، وأن المكر سبيل للنجاح لكن نحن بنو الحمير، وإن كنا نُعرف بالصبر، إلا
أنني أرى أن للصبر حدودًا، وأن الظلم لا يدوم فما رأيك في هذا؟
تنهد أبو الفهم وقال:
صدقت يا أبا صابر، نحن بنو البشر نُبتلى بالغرور، فنظن أن السلطة تخوّل لنا استغلال الضعفاء، وأن
الذكاء مبرر للاحتيال ولكن أليس لكل ظالم نهاية؟ لقد سقط الملوك الجبابرة وتهاوت عروشهم لأنهم نسوا
أن القوة أمانة وليست سلاحًا يُشهر في وجه الضعفاء
قال أبو صابر بحكمة:
إن الظلم يثقل كاهل المظلوم، لكنه أيضًا لعنة على الظالم. نحن الحمير نحمل الأثقال بصمت، لكننا نعرف
جيدًا أن الحمل إذا زاد عن طاقتنا سقطنا، وربما سقط معنا من ظلمنا أليس هذا ما يحدث مع البشر؟ إذا زاد
الظلم، انقلب الناس على الظالم، وانهارت ممالكه
أطرق أبو الفهم برأسه وقال
أجل يا أبا صابر، التاريخ مليء بالعبر. فرعون تجبر، فكان البحر نهايته والنمرود تكبر، فكانت ذبابة سبب
هلاكه ولكن المشكلة أننا ننسى هذه العبر ونعيد الأخطاء نفسها. كيف تنصحنا أن نكف عن الظلم؟
رفع أبو صابر رأسه وقال:
أول النصائح أن تتعلموا من الطبيعة. انظروا إلى الأشجار، تعطي بلا مقابل، وإلى الأنهار، تسقي الجميع
دون تفريق. تعلموا أن العدل أساس البناء، وأن الظلم أساس الخراب. لا تظنوا أن الصبر ضعف، لكنه قوة
للضعيف وحكمة للقوي وإن أردتم دوام القوة، فعليكم بالرحمة والعدل

ابتسم أبو الفهم وقال:
والله يا أبا صابر، ما قلت إلا حقًا. سأعود إلى قومي وأحدثهم بما قلت سأخبرهم واحاول ان اشرح لهم أن
الظلم وإن بدا قوة فهو وهم، وأن العدل هو السبيل الوحيد للإلفة والمحبة ما بيننا ليتنا نصبح حكماء كأمثالكم
يا أبا صابر
وفي ختام اللقاء :
نهض الحكيمان، وتصافحا وتعاهدا على ان تستمر اللقاءات البناءة بينهما لما فيه من خير لبني البشر وبني
الحمير على حد سواء ثم انصرف كل منهما في طريقه بقيت كلمات أبو صابر تتردد في ذهن أبو الفهم،
وبقيت حكمته درسًا لكل من يسمعها
إن هذا الحوار يذكرنا بأن الحكمة قد تأتي من حيث لا نتوقع، وأن الظلم وإن طال أمده، فإن نهايته محتومة
فليكن هذا درسًا لكل من يحمل في قلبه ذرة تجبر أو غرور عله يتعظ